The Hermitage Cafe

My Photo
Name:
Location: Baton Rouge, Louisiana

Seeing the world being hijacked by the devil, I strive to help in its restoration.

Thursday, December 30, 2010

رحيل رجل ليس ككل الرجال، رحيل طارق الأيوب

لا زالت دمعة الفراق تسيل والقلب حزين على فراق رجلا ليس ككل الرجال. طارق الأيوب، اسم له ثقله. لا يمكن أن يمر رحيله دون ذكره والاحتفال بكل ما قدمه لنا خلال حياته، والتي تركت أثراً عميقاً في حياة الكثيرين. نعم نحن نتألم لفراقه، إلا أننا يجب أن نحتفي بالرجل الذي أعطى أهله وبلده وكل من عرفه دون حدود. يجب أن نعطيه حقه ونذكر مساهمته الكبيرة في تطور بلاده خاصة السوق المالية والاقتصادية، والتي كان هو فيها أحد معالم الاقتصاد الكويتي. كان المرحوم رجلا ذي ألواناً متعددة. فكان الاقتصادي القادر والرجل الفائق الذكاء والإبن الصالح والأخ المسامح والصديق الوفي والكبير المتواضع، وصاحب نكتة. وهذه ليست إلا بضع من صفاته. جمع طارق بين الكبرياء والتواضع، والذكاء والعفوية والجد والمرح، والصرامة والرقة، والكثير الكثير من الصفات التي بهرت الكثيرين وأثارت الغيرة عند الآخرين.

تعرفت على الرجل عام 1976 عندما عدتّ من الجامعة الأمريكية في القاهرة إلى الكويت التي قضيت طفولتي فيها، لأعمل لدى شركة العقارات المتحدة حيث كان طارق الأيوب حينئذ مسؤولا بسيطاً يدير أحد أقسام الشركة. كان شاباً في مقتبل العمر حينذاك، إلا أن جديته في العمل وذكائه الفائق ومعرفته جعلته يبدو أكبر سناً. ولم تذهب تلك الصفات دون أن يلاحظها المسؤولين الكبار في الشركة، فعجلوا بترقيته وتسليمه مناصباً كبيرة تتيح له اتخاذ القرارات الهامة. ولم تمضي إلا سنوات قليلة ليصبح طارق الأيوب عضوا في مجالس إدارة شركات وبنوك عديدة، بل أصبح رئيسا لمجالس إدارة عديدة. ورغم إدراكي لذكائه الخارق، إلا أنه ظل يفاجئني بأفكار ومعرفة ظلت ترفع من شأنه وتضعه في مرتبة أعلى وأعلى. كان طارق من معالم الكويت الهامة، ومن أحد العناصر الاقتصادية الفاعلة في البورصة، كما وصفه وزير التجارة والصناعة، أحمد الهارون حينما قال في نعيه: "إن لجنة السوق تلقت نبأ وفاة عضو اللجنة الأيوب، وهو احد العناصر الاقتصادية الفاعلة فيها، وذلك ما اظهره دعمه للقرارات التي اتخذت على مدار الفترة السابقة من منطلق تمثيله للوسطاء."

ولكن لم يكن ذلك ما سحرني فيه وجعلني احترمه، انما التواضع الذي كان يتحلى به هو الذي سحرني وسحر غيري في هذا الرجل. إذ لم يسمح لنَسَبِه إلى عائلة مرموقة أو لكونه كويتي أو رئيسا أو مديرا بأن تغيره أو تحوله إلى رجل متغطرس كما كانت الحال مع الكثيرين في ذلك الوقت. بل على العكس. كان طارق يشعر مع أصغر موظفيه ويتعاطف من أي من كان، بغض النظر عن جنسيته أو دينه أو لونه. كان طارق رجلا نادرا، بل لم يكن له مثيلآ.

ولعلني لا أنصفه إذا لم أتحدث عن خفة دمه وعن روحه المرحة ونكاته التي كانت تجعل كل من حوله يهتز ضحكا؛ أو إذا نسيت أن أحدثكم عن خفة يده التي كانت تؤنس الكثيرين عندما كان يقوم ببعض الألعاب السحرية الخفيفة. وأهم من كل ذلك، كان طارق رجلا عفوياً طيباً حنوناً.

هل حدثتكم عن الرجل المتدين الذي بذل حياته في الصلاة والعبادة وعمل الخير؟ يا الله، ما أروع ذلك الرجل؟ كم أحببته وقدرته لأنه كان عظيماً قادراً على محبة واحترام الناس الذين يدينون بغير دينه. فلم يسمح للتعصب بأن يتسلط على عقله، بل كان يبدي احترامه لي ولعائلتي المسيحية. كان أول من يهنئنا بحلول عيد الميلاد المجيد. إن مواقفه تلك زادت من احترامي له وللدين الإسلامي، لأنه كان خير ممثلاً لدينه. ورغم أنني لم أره من 14 عاماً قبل وفاته إلا أنني متأكدة بأنه حتى مماته لم يتفق أبداً مع الفتاوي الحاقدة التي تدعو إلى مقاطعة المسيحيين والامتناع عن تهنتئتهم بأعيادهم، مثل تلك الفتوى اللعينة التي أصدرها يوسف القرضاوي. كان طارق رجلا ذو صدر رحب وقلب كبير. عرف ربه جيداً وأدرك ما يجهله الكثيرون ألا وهو أن الله عادلاً يحب جميع مخلوقاته دون أن يفرق بينهم، وبغض النظر عن لونهم أو دينهم.

كم كان بودي أن أنصف الرجل واعطيه حقه، ولكن كتب وكتب لن تكفي وآلاف الكلمات لن تعطيه حقه. ومع ذلك قررت أن أكتب هذا النعي المتواضع لكي أشكر ذلك الرجل على صداقته. فكم شجعني على الكتابة؟ ولولا تشجيعه لي لما نشرت الكتابين اللذين يباعا حالياً على الانترنت وفي الأسواق الأمريكية. ولولاه لما كتبت أجمل القصائد والرسائل باللغتين العربية والانكليزية.

أنعي طارق وكلي حزن على فراقه. أبعث له كلمة شكر عبر المحيطات وعبر الحواجز التي تقف بين أهل الأرض وأهل الجنة. أبعثها من قلب العاصمة الأمريكية واشنطن. فالرجل الذي ظل في قلوب هاجرت إلى الغرب منذ عشرين عاماً لا بد وأن يكون إنساناً رائعاً متميزاً. رحمك الله يا طارق الأيوب، وأسكنك فسيح جنانه. ودعوتي الأخيرة هي أن يصبرنا الله ويصبر أهلك وأحبائك على فراقك.

ميراندا الحريزي